للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فوظيفة العقل أن يتلقى عن الرسالة وأن يفهم ما يتلقاه عن الرسول وليست وظيفة العقل أن يكون حاكما على الدين من حيث الصحة أو البطلان، والقبول أو الرفض، بعد صحة صدوره عن الله.

وإذا قلنا إن الإسلام يخاطب العقل فإننا نعني بهذا أن الإسلام يوقظه ويوجهه ويقيم له منهج النظر الصحيح، ولا يعني هذا أن العقل يحكم بصحة الدين أو بطلانه، وبقبوله أو رفضه، فمثى ثبت النص كان هو الحكم، وكان على العقل البشري أن يقبله ويطيعه وينفذه، سواء كان مدلوله مألوفا له أو غريبا عليه.

ومهمة العقل أن يفهم ما الذي يعنيه النص وما مدلوله الذي يعطيه حسب معاني العبارة في اللغة والاصطلاح، والمدلول الصحيح للنص لا يقبل البطلان أو الرفض بحكم من هذا العقل، فهذا النص من عند الله والعقل ليس إلها يحكم بالصحة أو البطلان، وبالقبول أو الرفض لما جاء من عند الله.

لقد علم الله أن قدرات العقل تنوشها الشهوات والنزوات، وأن الدلائل المبثوثة في تضاعيف الكون وأطوار النفس قد يحجبها الغرض والهوى، ويحجبها الجهل والقصور، ومن ثم لم يكل إلى العقل البشري تبعة الهدى والضلال إلا بعد الرسالة والبيان، ولم يكل إليه بعد البيان والاهتداء وضع منهج الحياة، إنما وكل إليه تطبيق منهج الحياة الذي يقرره له الله، وترك له ما وراء ذلك يبدع فيه ما يشاء، والاجتهاد يكون في فهم النص المجمل الذي يحتمل أكثر من معنى أو في تطبيق مدلول النص القطعي على الجزئيات المتجددة في الحياة (١).

وأخبرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم عن حال المكذبين، وأنه تعالى أعذر إليهم إذ أرسل إليهم رسوله، فقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} (٢). فقطعت عليهم الرسالة الحجة ولم يعد لهم من عذر بعدها.

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أغير من الله، من أجل


(١) انظر تفسير آية النساء ذات الرقم ١٦٥ في كتاب "في ظلال القرآن" للشهيد سيد قطب.
(٢) سورة طه الآية ١٣٤