للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولو علم الله أن العقل البشري الذي وهبه للإنسان يكفي في أن يهتدى به وأن يدرك مصلحة حياته لوكله إلى هذا العقل وحده، يبحث عن دلائل الهدى، ويرسم لنفسه المنهج الذي تقوم عليه حياته حتى تستقيم على الحق والصواب، ولما أرسل إليه الرسل على مدى التاريخ، ولما جعل حجته على عباده لإرساله الرسل إليهم، وتبليغهم عن ربهم، ولما جعل حجة الناس عنده سبحانه وتعالى عدم مجيء الرسل إليهم {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (١) ولكن لما علم الله سبحانه وتعالى أن العقل الذي آتاه للإنسان أداة قاصرة بذاتها عن الوصول إلى الهدى بغير توجيه من الرسالة وعون وضبط، وقاصرة كذلك عن رسم منهج للحياة الإنسانية يحقق المصلحة الصحيحة لهذه الحياة وينجي صاحبه من سوء المآل في الدنيا والآخرة لما علم الله سبحانه وتعالى هذا اقتضت رحمته أن يبعث للناس بالرسل وألا يؤاخذ الناس إلا بعد الرسالة والتبليغ {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (٢).

فلا يؤاخذهم بالفطرة التي خلقهم عليها أو بعهد الفطرة الذي أخذه على بني آدم في ظهور آبائهم ولا يؤاخذهم بموجبات العقل ومقتضيات النظر في آياته الكونية المبثوثة في الوجود، وإنما يرسل إليهم الرسل مبشرين ومنذرين ليعذر إلى عباده قبل أن يأخذهم بالعذاب.


(١) سورة النساء الآية ١٦٥
(٢) سورة الإسراء الآية ١٥