للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العقول، وتأخذ بالألباب، ويوحى إليهم بموازين الحق والعدل التي تدهش عظمتها المدارك، فلا يملك الناس إزاءها إلا الإذعان والقبول لها، لأنها شرع إلهي قاهر، وليست من وضع البشر، وأولئك هم المرسلون.

قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (١).

ثالثا: دليل الإعذار وإسقاط الحجة:

إذا كانت الفطرة لا تكفي في استقامة الإنسان على جادة الحق لما يعتريها من ركام العادات والأعراف والتقاليد.

وإذا كان العقل لا يكفي لهداية الإنسان لما فيه من قصور ولما يعرض له من نزوات الهوى والشهوة.

فإن هذا وذاك قد يجد الإنسان فيه مجالا للاعتذار عما وقع فيه من خطأ، وما ارتكبه من إثم.

لذا شاء الله تعالى رحمة منه أن يرسل إلى الناس الرسل مبشرين ومنذرين لاستنفاذ فطرتهم من ركام الإلف والعادة، وتحرير عقولهم من أسر الأهواء والشهوات.

إنه مع وجود الفطرة التواقة إلى الاتصال ببارئها والإذعان له، ومع هبة العقل الذي أوتي القدرة على النظر والتفكير والتدبر، فإن الله سبحانه- بما يعلم من عوامل الضعف التي تطرأ على هذه القوى كلها فتعطلها أو تفسدها أو تطمسها أو تدخل في حكمها الخطأ والشطط- قد أعفى الناس من حجية الفطرة وحجية العقل ما لم يرسل إليهم الرسل ليستنقذوا دلائل الفطرة ودلائل العقل مما يعتريها من عوامل الفساد، وليضبطوا بموازين الحق الإلهي في رسالتهم تلك الدلائل، فتصح أحكامها، وتستقيم على ضوابط شرع الله، وعندئذ فقط يلزمها الإقرار والطاعة والاتباع، أو تسقط حجتها وتستحق العقاب {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} (٢).


(١) سورة الحديد الآية ٢٥
(٢) سورة النساء الآية ١٦٥