بين الناس، فتنصف المظلوم من الظالم، وتعيد الحق إلى نصابه.
فمن الذي يصنع الضوابط السلوكية وموازين الحق لتحقيق العدل بين الناس؟
قد يقول قائل: إن الناس عقلاء، ولا يعدم المجتمع البشري أن يجد من علمائه ومفكريه وعباقرته من يسن الأنظمة والقوانين لضبط السلوك وقيام العدل، وهذا حق من وجه.
ولكن العقل البشري بطبيعته لا يحيط بكل شيء علما، وإذا أدرك الصواب في حالة فإنه يخطئ في حالات، وأولئك النوابغ المفكرون الذين يقررون موازين الحق لن ترقى عقولهم إلى درجة تجنبهم الخطأ، فإنهم ليسوا معصومين من الزلل.
والعقل البشري من ناحية أخرى يتأثر في تفكيره بالعواطف المختلفة، ورجال الفكر في أي عصر لا يتجردون من هذه العواطف تجردا كاملا، فلا تكون القوانين التي يضعونها منزهة عن كل عيب، بل إن شواهد الحال في حياة الأمم تدل على أن واضعي القوانين يحصرون على تحقيق أهداف يرومونها، فيصوغون قوانينهم لتحقيق هذه الأهداف حتى يكون نظام الحكم منسقا معها، ولذا اختلفت من أمة لأخرى، وكانت عرضة للتغير والتبديل، كلما ذهب قوم جاء آخرون بأهداف جديدة وصاغوا قوانينهم بفكر جديد.
ولو سلمنا جدلا أن العقلاء النوابغ يستطيعون الوصول إلى موازين ثابتة تحقق العدل بين الناس فإن غيرهم لا يسلم لهم بذلك، فالناس متفاوتون في مواهبهم وأفكارهم ونزغات أهوائهم، ويأبى أرباب العقول أن يخضع بعضهم لبعض، ويدعي كل أنه أرقى من الآخر فكرا وأسمى عقلا، فلماذا يخضع له عن اختيار منه؟ إن خضوعه لا يكون إلا بالقهر والغلبة.
فلا بد إذا من قوة قاهرة فوق قدرة البشر، تقيم موازين الحق لتحقيق العدل بين الناس، حتى يشعر جميع العقلاء أنهم فيها سواء، وبهذا يكون خضوعهم، فإن الناس جميعا يتفقون على الإذعان لما فاق قدرتهم، وعلا متناول استطاعتهم.
لذا اقتضت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يختار من بين أفراد النوع الإنساني مرشدين هادين، يميزهم بخصائص في أنفسهم، ويؤيدهم بالمعجزات التي تبهر