للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسائل نبين فيها ما تحتوي عليه من أسباب النزول والتفسير الغريب، والحكمة، فإن لم تتضمن حكما ذكرت ما فيها من التفسير والتأويل.

وهكذا إلى آخر الكتاب، وسميته بالجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان (١).

فنلاحظ من هذه المقدمة الطريقة التي سار عليها القرطبي في تفسيره حيث إنه يذكر آية أو مجموعة من الآيات متصلة في المعنى، فيجعل تفسيره لهذه الآيات في جملة مسائل تكون مسألتين، وقد تصل إلى أربعين مسألة فأكثر، يذكر في كل مسألة حكما من أحكام الآية أو سببا من أسباب النزول أو تفسيرا لغريب الآية أو صلة لها، أو يذكر فروعها فقهية تتصل بالآية من بعيد أو من قريب، ويستدل على ذلك بالأحاديث ويخرج هذه الأحاديث، كما يستدل بأقاويل السلف وينسبها إلى قائلها. كما أنه لا يستطرد في ذكر القصص والتواريخ، وقد وفى بما وعد في مقدمة تفسيره إلا أنه استطرد في ذكر الفروع الفقهية والتفصيلات الدقيقة في مذاهب أئمة الفقه التي لا تتصل بالآية إلا من بعيد حتى إن القارئ فيه أحيانا يجد نفسه أمام ثروة كبيرة من الأقوال الفقهية تخرجه عن تفسير الآيات القرآنية، ومن المراجع التي اعتمد عليها القرطبي في تفسيره ابن جرير الطبري وابن عطية وابن العربي والكيا الهراس وأبو بكر الجصاص، ومما يمتاز به القرطبي في تفسيره أنه لا يتعصب لمذهبه المالكي، فتجده في بعض المسائل يسوق رأي الإمام مالك ثم يرجح غيره مما دل عليه الدليل، ومن أمثلة ذلك تفسيره لقوله تعالى في الآية ٤٣ من سورة البقرة: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (٢) نجده عند المسألة السادسة عشرة من مسائل هذه الآية يعرض لإمامة الصغير ويذكر أقوال من يجيزها ومن يمنعها، ويذكر أن من المانعين لها الإمام مالك والثوري وأصحاب الرأي، ولكنا نجده يخالف إمامه فيقول بجواز إمامة الصغير لما ظهر له من الدليل على جوازها، وهو ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن سلمة أن


(١) راجع تفسير القرطبي (١/ ٢ - ٣).
(٢) سورة البقرة الآية ٤٣