للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولهذا لما قال رجل لابن عمر ما أكثر الحاج، أجابه ابن عمر بقوله: (بل ما أكثر الركب وما أقل الحاج، ثم رأى رجلا على بعير، على رحل رث، خطامه حبل، فقال: لعل هذا) (١)، وقال شريح: (الحاج قليل والركبان كثير) (٢)، فما أكثر الذين يعلمون الخير، ولكن ما أقل الذين يريدون وجه الله.

وهذا حق، فما أكثر من يقصد البيت الحرام لحج أو عمرة لكن قد تكون نفقته من حرام، أو يكون حجه أو عمرته رياء وسمعة، وتكثرا أو مباهاة عند الناس، أو يكون حجه على غير سنة ولا موافقة للشريعة، ومن الناس من أعانهم جل وعلا على إخلاص نياتهم وطيب مكاسبهم وحل أموالهم، ثم وفقهم سبحانه وتعالى لأداء الحج أو العمرة حسب السنة، موافقة لعمل النبي صلى الله عليه وسلم القدوة الأسوة، بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (٣)

وهكذا كانت أعمال السلف الصالح صغيرها وكبيرها إخلاصا لله تبارك وتعالى وإخفاء لها حتى عن أقرب الناس إليهم، صيانة لها من الرياء والسمعة وحب الظهور، يحكي ذلك عنهم


(١) رواه عبد الرزاق في المصنف ٥/ ١٩
(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف ٥/ ١٩
(٣) سورة الأحزاب الآية ٢١