للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يأخذ المسلمون في تلك الأطراف بنص كتاب الله تعالى في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (١) وأن يعولوا على ما قاله الإمام الجليل أبو بكر بن العربي المالكي من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب قسيسهم وعامتهم ويعد طعاما لهم كافة، انتهى.

وقد أحدثت هذه الفتوى من الشيخ محمد عبده ضجة كبرى بين العلماء في وقته ما بين مستنكر لها ومؤيد لها، وممن أيدها وتحمس لها تلميذه محمد رشيد رضا في مجلة المنار وتفسير المنار (٢) ويرد على هذه الفتوى من وجوه:

* الوجه الأول: أن ابن العربي قد نقض فتواه هذه حيث قال في موضع آخر من تفسيره (٣) (فإن قيل: فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب: أن هذا ميتة وهي حرام بالنص، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن كالخنزير فإنه حلال لهم - كذا قال - ومن طعامهم وهو حرام علينا) انتهى، وكلامه هنا واضح في أنه يرى تحريم ما ذكاه أهل الكتاب على غير الذكاة الشرعية كالخنق وحكم الرأس وأنه لا عبرة بكونه يعتبرونه طعاما لهم.

* الوجه الثاني: أن المراد بطعام أهل الكتاب الذي أباح الله لنا أكله ما ذبحوه على الطريقة الشرعية خاصة، أما ما ذبحوه على غير الطريقة الشرعية فلا يحل ولو استحلوه هم فإنهم استحلوا لحم الخنزير ولم يعتبر ذلك من طعامهم الذي أباحه الله لنا.

* الوجه الثالث: أن المسلم لو ذبح على غير الطريقة الشرعية لم تحل ذبيحته، فكيف تحل ذبيحة الكتابي وهي على غير الطريقة الشرعية، وكيف يتشدد في ذبيحة المسلم ويتساهل في ذبيحة الكتابي، والمسلم أعلى من الكافر.

* القسم الرابع: من اللحوم المستوردة ما كان مستوردا من بلاد أهل الكتاب ولم تعلم كيفية تذكيته على وجه اليقين، بينما تدور حوله شكوك قوية في أنه يذبح على غير


(١) سورة المائدة الآية ٥
(٢) انظر مجلة المنار (٦/ ٧٧١، ٨١٢، ٩٢٧) وتفسير المنار (٦/ ٢٠٠ - ٢١٧).
(٣) تفسر آيات الأحكام لابن العربي (٢/ ٥٥٣).