يصاحب الدعوى من الظروف والملابسات وشواهد الأحوال أو لما تتهيأ له النفس من قبول الدعوى به لإمكان حدوث الفعل موضوع الاتهام من المتهم بها إما للجهل بحاله أو لأن مثله جرى بالدعوى عليه به. وهذا يعني أن المتهم قد التصق به من مقومات الادعاء بموضوع الاتهام ما تستحيل معه براءته براءة مطلقة، وإذا لم تكن هذه المقومات كافية لإقرار موضوع التهمة وإثباتها فإن لوجودها دورا إيجابيا في تعيين طريق الإثبات ونوعه وجهته وتخفيف حجمه، وهذا يعني أن لمقومات اتجاه الاتهام حظها من الإثبات، وبالتالي فإن المتهم غير برئ لقيام مقومات الاتهام وإسنادها الادعاء به واعتبارها جزءا من الإثبات. وما دام المتهم قد علق به من مقومات الادعاء بموضوع الاتهام ما انتفت به براءته من الاتهام فإن القبض عليه والتحقيق معه واستعماله وسائل انتزاع الحقيقة منه بما لا يخرج عن أصل الكرامة الإنسانية سائغ ومتفق مع ابتغاء العدل وتحقيقه، ولا يعد ذلك عدوانا ولا ظلما، فقد «حبس صلى الله عليه وسلم في تهمة وضرب في تهمة وأذن في القسامة لأولياء الدم أن يحلفوا القسامة ويستحقوا دم خصمهم أو دية مورثهم ولو لم يروا أو يشهدوا» وهدد علي بن أبي طالب رضي الله عنه المرأة التي حملت خطاب حاطب بن أبي بلتعة بتجريدها واستباحته ذلك منها إن لم تبرز الخطاب، واعتبر ذلك كله عين الحق وعين العدل وعين النصف، مع أن الجريمة لم تثبت بوسائل الإثبات التقليدية الشهادة أو الإقرار، ولا شك أن ما اتجهت إليه القوانين الوضعية في تبرئة المتهم حتى تثبت إدانته كان له أثره الملموس في تفشي الجريمة وانتشارها واعتبار الإجرام حرفة ينخرط في سلكها كل من يستهين بالقيم والأخلاق مما كان له مردوده وخلفياته في اضطراب الأمن وتعدد الجرائم وضياع الكثير من حقوق في الأنفس والأعراض والأموال حيث إن الإنسان تحت سلطان هذه القوانين لا يأمن على حقوقه في الحياة مهما كان وأينما كان، فكم سمعنا من جرائم الفتك بالأنفس والاختطافات والسرقات، وقد كان لهذا أثره في الاضطرار إلى اتخاذ الاحتياطات الضخمة لتوفير الحماية لعلية القوم من ساسة ورجال أعمال وغيرهم في بيوتهم وسياراتهم ومراكز أعمالهم، ولنا في كل يوم جديد أكثر من شاهد على ما نقول، فكم من نفس قد انتهكت قيمتها، وكم من مال قد هتك حرزه، وكم من عرض قد استبيحت حرمته، وكم من مجتمع قد أفسدت مقومات