اجتماعه، وهذا كله في ظل العدالة الديمقراطية والحضارة الإنسانية والحرية الفردية وتحت شعار: المتهم برئ حتى تثبت إدانته. تحت سلطان القوانين الوضعية يقبض على المتهم بالقتل أو السرقة أو انتهاك العرض أو قطع الطريق أو الإفساد في الأرض ويصاحب الاتهام ما يقوى به الادعاء وتأتي القاعدة القانونية: المتهم برئ حتى تثبت إدانته لتكون حجر عثرة في مسار القضاء نحو تحقيق العدل وإحقاق الحق. فلا يجوز تحت سلطان هذا المبدأ مسه بسوء لاستصحاب براءته الأصلية حتى توجد الأدلة التقليدية الكافية لإثبات جريمته وقد لا توجد، وإن كانت الأمارات والقرائن متوفرة في إسناد الاتهام وتقوية جانب الادعاء به. وبالتالي يتعين إطلاق سراحه لبقاء براءته وانتفاء إدانته حتى لو كانت شواهد الأحوال تصرخ بظلمه وعدوانه وإجرامه، ولو كان من أفجر عباد الله وأقربهم إلى الشر وأبعدهم عن الخير.
وبهذا نستطيع القول إن الشريعة الإسلامية لا تسلم للقانون بصواب ما اتجه إليه في تبرئة المتهم حتى تثبت إدانته ما لم يكن الاتهام عاريا عما يسنده من قرائن وأمارات والمتهم معروفا بالبر والصلاح والاستقامة وسلامة الاتجاه، أما إذا كان الاتهام مصحوبا بما يقوى جانب الادعاء به وكان المتهم ممن لا يستبعد وقوعه فيما اتهم فهذا النوع من المتهمين غير بريء وحاله وما صاحب حاله من أمارات وقرائن تلزمه بجانب من إثبات الاتهام، وقد كان لهذا التجاه من الشريعة الإسلامية وهذا النظر في القضاء الإسلامي والسياسة الشرعية أثره في الحفاظ على الحقوق وبناء مجتمعات إسلامية تعيش في ظلال وارفة من الأمن والاستقرار والثقة بوازعي القرآن والسلطان في حماية الحقوق بمختلف أجناسها وأنواعها، كما أن لذلك أثره في محاربة الجريمة والتقليل منها ومن أصحابها، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
هذا ما تيسر لي إيراده، وأرجو أن أكون بما قدمته قد وضحت ما أراه وأعتقده في موضوع البحث والله المستعان.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.