للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بغير تمييز بين ما إذا كانت رءوس الأموال هذه التي استخدمها مقترضوها قد استخدموها في أغراض إنتاجية أو استهلاكية، ونسوا كذلك الحديث الذي يقرر أن «كل قرض جر نفعا فهو ربا (١)» فلم يميز الرسول بين ما إذا كان القرض الذي عاد بزيادة على المقرض قد فرج كربة المقترض أو وظفه في تمويل مشروع إنتاجي، ولو شاء سبحانه هذا التمييز أو علم أن فيه خيرا للناس لما ترك النص عليه.

وسنبين لهم - من واقع تجارب هذا العصر وشهادة كثير من علماء الاقتصاد في هذا العصر بالذات - أن الربا في هذه القروض الإنتاجية قد تسبب في أضرار فادحة في الاقتصاد العالمي المعاصر، ولكنا نريد في البداية أن نمحص الحجة التي يتوكئون عليها وهي أن العصر الجاهلي لم يكن يعرف ما نشأ في العصور الحديثة من القروض الإنتاجية.

حسب الباحث أن يتأمل في الظروف المادية التي أحاطت بالاقتصاد الجاهلي وبالبيئة الجاهلية - بيئة مكة وما حولها من قرى الحجاز - ليوقن أن القروض الإنتاجية كانت ضرورة حيوية من ضرورات اقتصادهم، فمكة - مهد الإسلام - وما حولها من القرى كانت ترتبط معا بروابط اقتصادية وتجارية تجعل القرض الإنتاجي لازما من لوازم حياتهم.

وينبئنا التاريخ بأن الطائف - مقر قبيلة ثقيف - وهي قرية تبعد إلى الجنوب الشرقي من مكة بنحو خمسة وسبعين ميلا، وكانت تمتاز بأرض خصبة في الوديان المحيطة بها وكانت لذلك تصدر إلى مكة وقرى الحجاز الأخرى حاصلاتها من الزبيب والقمح والأخشاب وغيرها، وكانت تستورد من مكة السلع التي تأتي بها قريش في كل من رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن وجنوب الجزيرة، وهذا التبادل التجاري كان يتم أكثره عن طريق القروض الربوية لا سيما أن جالية كبيرة يهودية كانت تقيم بالطائف، هاجرت إليها بعد طردها من اليمن، ولم تكن لها صناعة إلا الإقراض بالربا لهذا النشاط التجاري لأهل الطائف وما حولها.


(١) روي مرفوعا ولم يصح، وروي موقوفا على علي وابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام.