أما مكة فكانت في أرض جدباء لا زراعة فيها ولا غابات ولا معادن، ولذلك كانت لا تعتمد في رزقها إلا على التجارة حتى أصبحت أعظم مركز تجاري في الجزيرة العربية.
يقول المؤرخون إنها كانت (المحطة) الوسطى بين مأرب وغزة في طريق القوافل الرئيسي بين متاجر الشرق ومتاجر الغرب، وقالوا: إن مكة صارت على هذا النحو أشبه بجمهورية تجارية تعيش اقتصاديا على الرحلتين، وكان يزيد في مكانتها التجارية أن قريشا كانوا سدنة الكعبة والبيت الحرام، وكانوا لذلك موضع الرعاية والتكريم في حلهم وترحالهم.
وكان للتجارة بصفة عامة احترام كبير في نفوس قريش، ويتجلى ذلك على الأخص في أن المهاجرين من قريش إلى يثرب - بالرغم من كل ما قدم لهم الأنصار من مشاركة في أرزاقهم تغنيهم عن الكد والسعي - آثر أكثرهم أن يبدأوا في الحال ممارسة التجارة، قال أبو هريرة:(إن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق في الأسواق) أي الخروج إلى التجارة.
وهكذا يروي التاريخ كيف كانت مكة مركز نشاط تجاري عظيم، ومحط القوافل في غدوها ورواحها، يترقبها أهل مكة رجالا ونساء وأكثرهم قد وظف بعض ماله في السلع، التي تحملها هذه القوافل، كما يروي التاريخ أن قافلة أبي سفيان التي أدى خوف الاستيلاء عليها إلى غزوة بدر، كانت قريش كلها مساهمة في تمويلها، والتمويل يحتاج إلى رأس مال، فإذا لم يكن رأس المال متوافرا لدى بعضهم لجأ هذا البعض إلى الاقتراض بربا يتعهد بأدائه إلى المقرض اعتمادا على أن الربح الذي سوف يجنيه من توظيف المال المقترض في التجارة سوف يدر عليه أكثر من الربا المفروض عليه، أي: أن هؤلاء كانوا يقومون بالدور الذي يسمى الآن دور " الشريك القائم " يعطي ما اقترضه من المال إلى القائمين فعلا بالإتجار، وشراء السلع في إحدى الرحلتين ثم بيعها في الرحلة الأخرى، ثم يدفع في النهاية من النصيب الذي خصه رأس المال الذي اقترضه بالإضافة إلى مبلغ الربا المتفق عليه.
لذلك عجبت قريش عندما جاء الإسلام يحرم الربا:{قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}(١) هو تأجير لرأس المال، والربا الذي يستحقه المقرض هو أجرة رأس المال،