وفي هذا ما وصف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال لما رأى ما أحدث من الأمور:" أيها الناس، من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة أبرها قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم وتمسكوا بما استطعتم من دينهم وأخلاقهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم"(١)
لهذا كله ولما جره الغلو على المسلمين في دينهم قولا وعملا وقبل ذلك اعتقادا وواقعا وفكرا ومنهجا منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم مرورا بفترات تاريخنا المختلفة إلى عصرنا المشهود وما جره ذلك من الأخطار العظيمة والمصائب الجسيمة والمناهج المتباينة على حياتهم وأحوالهم العلمية والفكرية والاجتماعية والسياسية، وقبل ذلك وبعده الحال الدينية من الغلو في العبادة والغلو في المعصية وفي البدعة، والغلو في العادة، ولما رأيت من الخلط العجيب بين التمسك بالدين والتزامه وبين دعوى الغلو والتطرف والأصولية، وهو الناشئ من الجهل
(١) رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ورواه غيره.