للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يفعله في زماننا كثير من الناس، وربما طلبه المزور وتشوق إليه، واستوحش من الوحدة، وخصوصا في أيام التهاني والأعياد، فنراهم يمشي بعضهم إلى بعض، ولا يقتصرون على الهناء والسلام، بل يمزجون ذلك بما ذكرته من تضييع الزمان. فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهازه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت معهم بين أمرين: إن أنكرت عليهم، وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبلته منهم، ضاع الزمان، فصرت أدافع اللقاء جهدي، فإذا غلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق، ثم أعددت أعمالا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم، لئلا يمضي الزمان فارغا. فجعلت من المستعد للقائهم قطع الكاغد (١)، وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم، لئلا يضيع شيء من وقتي. (٢) وإذا علمنا أن ذلك مبلغ حرصه على الزمن، والإفادة من كل جزء منه في القراءة والتصنيف، لم نستغرب قوله: "وإني أخبر عن حالي، ما أشبع من مطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابا لم أره فكأني وقعت على كنز .. ولو قلت: إني قد طالعت عشرين ألف مجلد


(١) الكاغد: هو القرطاس أو الورق. انظر: الفيروز آبادي: القاموس المحيط، ج ١، ص ٣٣٣.
(٢) ابن الجوزي: صيد الخاطر، ص ١٨٤، ١٨٥.