للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحالة؟ قال لي: يا هذا أودع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة، ألا يكون خيرا من أن أخليها وأنا جاهل بها فأعدت ذلك عليه، فحفظ، وعلمني ما وعد، وخرجت من عنده، وبينما أنا في الطريق سمعت الصراخ عليه (١).

ولقد كان أمثال هؤلاء يحسنون المحافظة على كل لحظة من وقتهم، حتى أن أحدهم كان يستحي من سواد الليل وظلمته، إذا مرت عليه ليال وأيام لم يقم فيها لله ركعتين. وفي ذلك يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "أدركت أقواما يستحون من الله في سواد الليل من طول الهجعة، إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال: ليس هذا لك، قومي خذي حظك من الآخرة " (٢).

وهاهو الإمام ابن الجوزي - رحمه الله- يصف لنا حال الناس كيف يضيعون أزمانهم في الزيارات والحديث الذي لا طائل من ورائه، ويبين لنا كيف كان يصنع إذا زاره بعض البطالين لئلا يذهب الزمن فارغا دون فائدة ترجى، فيقول رحمه الله:

"لقد رأيت خلقا كثيرا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطيلون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني، ويتخلله غيبة. وهذا شيء


(١) انظر القصة في: الحموي، ياقوت: معجم الأدباء، ج ٥، ص (١٢٣، ١٢٤).
(٢) ابن الجوزي: صفة الصفوة، ج ٢، ص ٢٤١.