للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} (١). وقد استخدم القرآن هنا صيغة الافتعال من الصبر (اصطبر) مكان الصيغة المعتادة (اصبر)، لأن الافتعال يدل على المبالغة في الفعل، فزيادة المبنى تدل في العادة على زيادة المعنى، وما ذاك إلا لأن الطريق إلى طاعة الله مليئة بالمعوقات من داخل النفس ومن خارجها (٢).

يقول أبو الحسن الماوردي: الصبر على امتثال ما أمر الله تعالى به، والانتهاء عما نهى الله عنه تخلص به الطاعة، وبخلوص الطاعة يصح الدين، وتؤدى الفروض، ويستحق الثواب ... ، وليس لمن قل صبره على طاعة حظ من بر، ولا نصيب من صلاح. ومن لم ير لنفسه صبرا يكسبها ثوابا ويدفع عنها عقابا كان مع سوء الاختيار بعيدا من الرشاد، حقيقا بالضلال ... وهذا النوع من الصبر إنما يكون لفرط الجزع، وشدة الخوف، فإن من خاف الله عز وجل صبر على طاعته، ومن جزع من عقابه وقف عند أوامره (٣).

وقد قص لنا القرآن الكريم قصة عجيبة تمثل نموذجا فريدا للصبر على الطاعة، وهي قصة إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، فقد رأى خليل الرحمن إبراهيم في المنام أنه يذبح إسماعيل - ورؤيا


(١) سورة مريم الآية ٦٥
(٢) د. يوسف القرضاوي، الصبر في القرآن، ص ٣٩
(٣) أدب الدنيا والدين، ص ٢٧٧