للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد سطر أنبياء الله ورسله أروع الأمثلة في الصبر على البلاء، فهذا نبي الله أيوب عليه السلام كان له من الدواب والأنعام والحرث الشيء الكثير، كما كان له أولاد كثيرون ومنازل مرضية، فابتلي في ذلك كله وذهب عن آخره، ثم ابتلي بمرض عم سائر بدنه، ولم يبق منه شيء سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما الله عز وجل، حتى عافه الجليس وأفرد في ناحية من البلد، ولم يبق من يرق له ويحنو عليه سوى زوجته التي كانت تقوم بأمره، وإذا اشتدت بها الحاجة خدمت الناس من أجله. واستمر به هذا البلاء سبع سنين، فلم يضق صدره عليه السلام ولم يتململ من الضر، ولم يزد في دعاء ربه عن وصف حاله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} (١) ووصف ربه بصفته: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (٢)، ثم لا يدعو بتغير حاله صبرا على بلائه، بل إنه ليتحرج أن يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه، فيدع الأمر كله للعليم الخبير، اطمئنانا على علمه بالحال، وثقة باستجابته في كشف ضره، فاستجاب الله له النداء، فكانت الرحمة وكانت نهاية الابتلاء، حيث رفع الله عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح، قد زال عنه ما مسه وأهمه، ورفع عنه الضر في أهله فعوضه الله عمن فقد منهم ورزقه مثلهم. يقول عز وجل:


(١) سورة الأنبياء الآية ٨٣
(٢) سورة الأنبياء الآية ٨٣