للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تصوير لحال هذا المعرض عن وحيه فشبه تلاطم أمواج الشبه والباطل في صدره بتلاطم أمواج بعضها فوق بعض، والضمير الأول في قوله: {يَغْشَاهُ} (١) راجع إلى البحر، والضمير الثاني في قوله: {مِنْ فَوْقِهِ} (٢) عائد إلى الموج، ثم إن تلك الأمواج مغشاه بسحاب، فهاهنا ظلمات ظلمة البحر اللجي، وظلمة الموج الذي من فوقه موج، وظلمة السحاب الذي فوق ذلك كله، إذا أخرج من في هذا البحر يده لم يكد يراها ... .

ثم ضرب الله سبحانه لهم مثلا أخر مائيا فقال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ} (٣). فشبه نصيبهم مما بعث الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من النور والحياة بنصيب المستوقد النار التي طفئت عنه أحوج ما كان إليها وذهب نوره وبقي في الظلمات حائرا تائها، لا يهتدي سبيلا، ولا يعرف طريقا، وبنصيب أصحاب الصيب، وهو المطر الذي يصوب، أي: ينزل من علو إلى أسفل، فشبه الهدى الذي هدى به عباده، بالصيب، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، ونصيب المنافقين من هذا الهدى بنصيب من لم يحصل له نصيب من الصيب إلا ظلمات ورعد وبرق، ولا نصيب له فيما وراء ذلك مما هو


(١) سورة النور الآية ٤٠
(٢) سورة النور الآية ٤٠
(٣) سورة البقرة الآية ١٩