للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حينما بعث معاذ بن جبل إلى اليمن قاضيا، قال له: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله، ولا في كتاب الله، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدره، وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضى به رسول الله (١)».

وهناك مصدران متفرعان عن الأصلين السابقين هما: الإجماع والقياس، أما الإجماع: فالمراد به إجماع علماء المسلمين على الحكم في مسألة ما، ولا شك أن إجماعهم مفترض فيه أن يكون مبنيا على نص من كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم - علمه من علمه، وجهله من جهله، وأما القياس: فوجه الأخذ به أن النصوص متناهية، والقضايا غير متناهية، فليست كل قضية مهيأة لاختصاصها بنص ينص على الحكم فيها، وإنما تقاس الأشباه بالنظائر، وتلحق الجزئيات بكلياتها، فيكون الحكم فيما لا نص فيه بما فيه نص مما هو نظيره ومشابهه، فإذا لم يجد القاضي حكمه في كتاب الله، ولا في سنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يجد للأمة الإسلامية إجماعا في ذلك، وتعذر عليه القياس؛ كان عليه أن يبذل قصارى جهده في الاجتهاد آخذا في تقديره ما لكل قضية من الملابسات والاعتبارات والتقديرات.

ثم إن هناك أمرا ذا أهمية بالغة في المحيط القضائي ألا وهو القرينة، فإن القرينة اعتبارها في الإسلام ذلكم الاعتبار يمثل في تقويتها جانب حاملها من المتخاصمين، فإذا انعدمت البينة، كانت اليمين مشروعة في جانب حاملها إن كان لها من القوة ما تشد به أزر صاحبها.

وللعلامة ابن القيم - رحمه الله - في كتابه "الطرق الحكمية" بحث في القرينة وضرورة اعتبارها والأخذ بها، يجدر بالمهتمين بشئون القضاء الاطلاع عليه، وإعطاؤه ما يستحقه من النظر والدراسة والاعتبار.

وللخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كتاب لأحد قضاته يعتبر


(١) سنن الترمذي الأحكام (١٣٢٧)، سنن أبو داود الأقضية (٣٥٩٢)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٢٣٠)، سنن الدارمي المقدمة (١٦٨).