للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نبراسا يستضيء به القضاة في أحكامهم، ونظاما قضائيا يجدر بالمهتمين بشئون القضاء إعارته ما يستحقه في الدراسة والتحليل والنظر والاعتبار، وأجد المقام يلح علي في إيراده:

بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس، سلام عليك، أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، وآس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييئس ضعيف من عدلك، البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا، ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس فراجعت اليوم فيه عقلك، وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور بنظائرها، واجعل لمن ادعى حقا غائبا، أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينة أخذت له بحقه وإلا وجهت القضاء عليه فإن ذلك أبلغ للعذر وأجلى للغمة، المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد، أو مجربا عليه في شهادة زور، أو ظنينا في ولاء أو نسب.

فإن الله تولى منكم السرائر، ودرأ عنكم بالبينات والأيمان والشبهات، وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم، والتنكر عند الخصومات، فإن الحق في مواطن الحق يعظم الله به الأجر، ويحسن به الذكر، فمن صحت نيته وأقبل على الناس كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما يعلم الله أنه ليس من نفسه شانه الله، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اهـ.

وقد اعتنى علماء الإسلام بهذا الكتاب القيم الجامع المانع فتناولوه بالشرح والتحليل والاستنباط، وكان من أبرز من تناوله بالشرح المستفيض الإمام العالم العلامة ابن القيم - رحمه الله - فقد أورده في كتاب " أعلام الموقعين "، وشرحه شرحا وافيا أتى فيه على القضاء ومدى أهمية رسالته وخطورة مزاولته، وعلى الصلح ومدى صحته ونفاذه، وعلى