والكلام عن السنة في هذا الموضع إنما هو من جهة أن الأمر قد يكون سنة قولية أو فعلية ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخشى أن يفهم العامة من المداومة عليه وجوبه فهذا قد حصل فيه خلاف بين العلماء.
يرى الإمام مالك أن بعض المندوبات إذا خيف أن يفهم العامة من المداومة عليها وجوبها يرى أن تركها أفضل من فعلها، وقد بنى رأيه هذا على ما هو معروف عنه من القول بسد الذرائع الموصلة إلى الشرور ووجه ذلك أن الشارع قد ندب إلى أشياء ومعروف أن المندوب هو ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه والشارع الحكيم الرحيم لما لم يوجبه أراد ألا يجعل المسلم في حرج من التزام هذا المندوب بل متى قدر عليه وتيسر له فعله أتى به وإلا تركه من غير حرج ولا تبعة ولكن قد يعمد البعض إلى التزام هذه السنة ويستديم عليها استدامة على الواجب فلا يتركها تحت أي ظرف من الظروف، فهذا عمل في حد ذاته طيب يثاب عليه لأنه اقتداء بالسنة وعض عليها بالنواجذ.
غير أن في استمرار المسلم على هذا المندوب بطريقة منتظمة حتى لو اعتل جسمه أو وجد مشقة وعنتا ما يجعل السواد الأعظم من العامة يعتقد وجوب هذا المندوب وأنه بمرتبة الواجب لا المندوب فيحافظون عليه محافظتهم على الواجبات ويتأثرون من تركه. فينشأ من ذلك الضيق والحرج والمشقة على الناس بسبب إيجاب ما ليس واجبا والتزام ما ليس لازما، وفي إيجاب المندوب تجن على الشريعة وتشريع لما لم يأذن به الله وهذا مفسدة أي مفسدة.
فلهذا السبب وهو خوف اعتقاد العامة وجوب بعض المندوبات من جراء المداومة عليها كره بعض العلماء ومنهم مالك هذه المواظبة على السنة وذلك للحيلولة دون فهم العامة ذلك وسدا لهذه الذريعة لأن إيجاب ما لم توجبه الشريعة هو مفسدة يجب منعها وسد الطرق الموصلة إليها.
قال الشاطبي رحمه الله: وكان مالك يكره المجيء إلى بيت المقدس خيفة أن يتخذ ذلك سنة (أي مستديمة) وكان يكره مجيء قباء خوفا من ذلك مع ما