للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جاء في الآثار من الترغيب فيه، ولكن لما خاف العلماء عاقبة ذلك تركوه.

وقال الشاطبي: فهذه أمور مندوب إليها ولكنهم كرهوا فعلها خوفا من البدعة لأن اتخاذها سنة إنما هو بأن يواظب الناس عليها مظهرين لها وهذا شأن السنة وإذا جرت مجرى السنن صارت من البدع بلا شك (١).

والخلاصة: أن ما يخشى من فعله اعتقاد العامة وجوبه راعى فيه بعض الأئمة مفسدة اعتقاد العامة وجوب ما هو مندوب إليه فذهبوا إلى كراهته كما ذهب الإمام مالك إلى كراهة صوم ستة أيام من شوال مع صحة الحديث الوارد في فضلها خشية أن يعتقد العامة وجوبها، قال أبو إسحاق الشاطبي: والذي خشي منه مالك وقع فيه العجم فصاروا يتركون (المسحرين) على عادتهم و (البواقين) وكذلك قال أبو إسحاق المروزي في أصحاب الإمام الشافعي: لا أحب أن يداوم الإمام على مثل أن يقرأ كل يوم جمعة سورة الجمعة ونحوها لئلا يعتقد العامة وجوبه (٢).

رأينا في هذه المسألة:

رغم ما ذكره الإمام الشاطبي عن الإمام مالك - رحمه الله - ومن وافقه من تبرير لكراهة بعض المندوبات فإنني أرى أن هذا رأي غير صائب ويترتب على الأخذ به خطأ كبير لأنه يؤدي إلى ترك بعض السنن التي سنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أنه يؤدي إلى إماتة بعض آخر منها ثم إنه قول مبني على الاجتهاد مع وجود النص ومعلوم أنه لا اجتهاد مع النص، فالمندوب إذا ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الخير في الإتيان به والعصمة من الشرور والمفاسد في اتباعه لا في إماتته وإهماله.

فلو كان ما تخوف منه الإمام مالك متحققا لنبه إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولحذر منه فضلا عن أن يسنه ويندب إليه.


(١) الاعتصام بتصرف ١٤٤/ ١ وما بعدها
(٢) رسائل الإصلاح للخضر حسين ٨٠/ ٣