للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال المفسرون: {وَالرَّبَّانِيُّونَ} (١) هم العلماء الحكماء البصراء بسياسة الناس، وتدبير أمورهم، والقيام بمصالحهم وفق شرع الله، {وَالْأَحْبَارُ} (٢) هم العلماء الذين يوضحون للناس، ما أنزل الله من حكم (٣).

لكن هؤلاء المستحفظين لما في كتبهم، مع تباطؤ الزمن عليهم اتبعوا أهواءهم، وغيروا أحكام الله، بما تصف الألسن، وتهوى النفوس، يقول عنهم سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٤).

وقد ذكر القرطبي في تفسيره عند مروره بآية استحفاظهم على كتاب الله حكاية ذات عبرة ودلالة، فقال ما ملخصه: إن المأمون العباسي بعدما أسس دار الحكمة، كان يأتي عنده رجل من علماء اليهود وقرائهم حسن الحديث، بليغ العبارة، جيد الخط، مطلعا على علوم الأمم، وكان المأمون معجبا به وبرجاحة عقله، فدعاه للإسلام مرارا، لكنه يقابل ذلك بالرفض ويقول: هو على دين آبائه وأجداده، وهو أفضل من دينكم، ولما عجز المأمون من تغيير مفهومه، تركه انطلاقا من عقيدة الإسلام بعدم الإكراه، بعدما تبين الرشد من الغي: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (٥).

ثم إن هذا الرجل


(١) سورة المائدة الآية ٤٤
(٢) سورة المائدة الآية ٤٤
(٣) يراجع تفسير هذه الآية وخاصة عند الطبري في تفسيره ١٠/ ٣٤١.
(٤) سورة آل عمران الآية ٧٥
(٥) سورة الكافرون الآية ٦