للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما المجتمع الثاني: الذي كفر بالله والدار الآخرة، ونسي أن وراء هذه الدنيا حياة دائمة وأن بعد هذه الأعمال جزاء عادلا، وانساق وراء شياطين الإنس والجن {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} (١) فاستباح هتك الحرمات، واحتكم إلى الأهواء والطواغيت، وانطلق في دروب الشهوات والمنكرات، وعاش باغيا طاغيا لا يعرف للضعيف حقا ولا مرحمة، وذليلا خانعا لا يعرف لنفسه عزا ولا كرامة، يخنع ويركع أمام الطاغوت العاتي بقلبه أو بجبهته، ويستعلي على الضعيف المستكين ببغيه وسلطانه وجاهه، إن هذا المجتمع أشبه بغابة الوحوش أو حظيرة الحيوان، بل إنه أحط منها {يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} (٢).

إن هؤلاء الذين لا يؤمنون بالبعث والجزاء أضرى من الحيوانات الكاسرة، وأشرس من الكلاب المسعورة، يلغون في الدماء، ويخوضون في الخبائث والأقذار، ويرون أن هذه هي متعتهم التي إن فاتتهم فلن تستعاض، لأنهم زعموا أن لن يبعثوا، وأن ليس بعد هذه الحياة من حياة، {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} (٣).

وبالموازنة بين حياة هذا المجتمع الشقي اللاهث، وحياة المجتمع السابق السعيد الآمن، تتجلى لك باكورة من ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر في حياة طيبة مشمولة بالأمن والرضا والسلام، أما ثمرة هذا الإيمان في الدار الباقية فلست أنا ولا أنت ولا غيرنا من المخلوقات بقادر على وصفها الوصف اللائق بها، وحسبك ما جاء في


(١) سورة الأنعام الآية ١١٢
(٢) سورة محمد الآية ١٢
(٣) سورة الأنعام الآية ٢٩