للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قارئي الكريم: إن رجلا عاقلا يؤمن بهذا البعث والجزاء تراه يسير في حياته هذه سيرة الكيس الكريم، يدين نفسه ويحاسبها، ويوقن بمسئوليته أمام ربه، وبجزائه في يوم آت لا ريب فيه، فيعطي كل ذي حق حقه.

يعلم أن لربه حق العبادة والتوحيد الخالص من كل شائبة، ومنه سبحانه العون، وبه الاستغاثة، وله القربان والتعظيم.

ويعلم أن لوالديه حق البر والإحسان في حياتهما، والدعاء والاستغفار لهما بعد موتهما، ويعرف لأرحامه، وجيرانه، ولأمته وإخوانه المؤمنين حقوقا رسمها الله، وبينها في كتابه وعلى لسانه رسوله، ووعد بالجزاء عليها.

هذا الرجل لا شك يكون لبنة صالحة لبناء مجتمع قوي نقي تقي «إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر (١)».

وبالتالي ترى هذا المجتمع المؤمن بالبعث والجزاء، المؤلف من هذه اللبنات حريصا على تنفيذ ما شرعه الله من عبادات: تهذب النفس وتعزها بربها ودينها، ومعاملات: تترفع عن أساليب الغش والخداع والغرر والضرر وأكل أموال الناس بالباطل، وأخلاق وقيم: تضع الإنسانية في مقام التكريم الذي ارتضاه الله لبني آدم، وتشريعات وأحكام وحدود: تحرس للمرء (حريته) آمنة منظمة، (وعقيدته) نقية سليمة، (ودمه) محقونا محفوظا، (وعرضه) طاهرا نقيا، (وماله) محصنا مصونا وعلى وجه الإجمال تراه مجتمعا قويا تقيا نقيا، متآخي الأفراد، معتصما بحبل ربه، منصورا بنصره العزيز الذي كتبه على نفسه تفضلا منه ورحمة {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (٢).

وهل بعد ذلك كله من عز وسعادة في هذه الحياة؟ أما في حياتهم الآخرة التي أيقنوا بها فلهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.


(١) صحيح البخاري الأدب (٦٠١١)، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (٢٥٨٦)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ٢٧٠).
(٢) سورة الروم الآية ٤٧