للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصيرا صالحا لانتهاج سبيل الخير أو الشر أتبعت ذلك التدرج الذي لا شك فيه بقضيتين اثنتين:

القضية الأولى: قضية يقينية أيضا متفق عليها لا ينازع فيها كافر ولا مؤمن، ولكنها مع تيقنها ومشاهدتها والجزم بوقوعها - تشبه الشك عند الناس، بمعنى أنهم يتصرفون في حياتهم ومسالكهم تصرفا لا يشعر باستعدادهم لها، كأنها في نظرهم لن تقع ولن تكون - تلك القضية هي (قضية الموت) التي قال في شأنها (علي بن أبي طالب) - رضي الله عنه -: "ما رأيت يقينا أشبه بالشك من الموت".

والقضية الثانية: قضية يقينية مثل أختها، لكنها ليست محل اتفاق بين الناس: فمنهم مؤمن بها جازم بتحققها ووقوعها - ومنهم منكر لها جاحد لتصديقها بل كافر بإمكانها مستهزئ بمن يخبر بها أو يطالب الناس أن يؤمنوا بها.

ومنهم صنف ثالث متحير مرتاب، متردد بين التصديق بها والتكذيب وصدق الله العظيم: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} (١) {عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} (٢) {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} (٣).

هذه القضية الثانية: هي قضية (البعث بعد الموت)، أو قضية (الإيمان باليوم الآخر، والجزاء العادل).

هاتان القضيتان: (أعني الموت، ثم البعث) - ذكرتا عقب الأطوار السبعة التي مر بها الإنسان في نشأته المادية فهما طبقان من الأطباق التي يركبها الإنسان واحدا بعد واحد {لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ} (٤). واقرأ قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ} (٥) إلى أن تصل إلى قوله: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (٦) {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} (٧) فسترى أنهما ذكرتا نصا صريحا بعد الأطوار السبعة التي سلمنا بها، واتفقنا على أنها واقعة بلا شك ولا ارتياب، وهاتان


(١) سورة النبأ الآية ١
(٢) سورة النبأ الآية ٢
(٣) سورة النبأ الآية ٣
(٤) سورة الانشقاق الآية ١٩
(٥) سورة المؤمنون الآية ١٢
(٦) سورة المؤمنون الآية ١٥
(٧) سورة المؤمنون الآية ١٦