للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القضيتان: مصورتان تصويرا عمليا، كما تصور وسائل الإيضاح - في نماذج متعددة وفي مظاهر مشهودة في الصباح وفي المساء، وفيما بينهما:

ينام الإنسان، فيموت الموتة الصغرى، ثم يستيقظ فيحيا من موتته، فيقول إما بحاله أو بمقاله: «الحمد الله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور (١)» - أليس ذلك نموذج للحياة بعد الممات؟ {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (٢).

تيبس الأرض، وتهمد وتخمد وتموت، ثم ينزل عليها ماء السماء، وهو - كما تعلم - جماد لا روح فيه - ولكن بنزوله على الأرض الميتة تحيا بعد موتها، وتتمخض عن ألوان لا حصر لها من أولادها الأحياء - يا للعجب!! ميت يلتقي بميت فتنبعث منهما الحياة!! سبحان الله، صنع الله الذي: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} (٣).

تذبل الشجرة: وتذوي أوراقها، وتضمر وتساقط ثمارها، ويجف ويغيض ماؤها، ثم تكون حطاما يتناثر في أحشاء الأرض، ويضطمر في بطنها، ويصير ترابا من ترابها، ثم لا تلبث الشجرة أن تنبت وتعود مورقة زاهية الإيراق، ناضرة الزهر، يانعة الثمر - ممه؟ من ماء ميت العناصر (أيدروجين وأكسوجين) ومن تراب ميت العناصر أيضا. . . ومثل الشجرة قل في الحبة والبقلة، واقرأ واستمع وتمعن في قول ربك القدير: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (٤) {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} (٥) {رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} (٦).

ولن أطيل عليك الحديث، ولكني أدعوك مرة ثانية لإطالة النظر والإمعان فيما ترى من آيات الله في الأكوان، وفيما تقرأ وتسمع من آياته البينات في كتابه الكريم.


(١) صحيح البخاري الدعوات (٦٣١٤)، سنن الترمذي الدعوات (٣٤١٧)، سنن أبو داود الأدب (٥٠٤٩)، سنن ابن ماجه الدعاء (٣٨٨٠)، مسند أحمد بن حنبل (٥/ ٣٨٧)، سنن الدارمي الاستئذان (٢٦٨٦).
(٢) سورة الزمر الآية ٤٢
(٣) سورة الروم الآية ١٩
(٤) سورة ق الآية ٩
(٥) سورة ق الآية ١٠
(٦) سورة ق الآية ١١