للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكما أن هذا المذهب النافي لقدرة العبد واختياره مخالف للشرع فهو مخالف للحس كذلك، فإن الشخص السوي يشعر ويعلم بأن له قدرة واختيارا، ويفرق بين أفعاله التي يفعلها باختياره كصلاته ومشيه ونحو ذلك، وبين ما يصدر عنه من أفعال لا قدرة له فيها ولا اختيار، كحركة يد المرتعش، ونبضات القلب.

فالجبر الذي أنكره سلف الأمة وعلماء السنة هو أن يكون الفعل صادرا عن الشيء من غير إرادة ولا مشيئة ولا اختيار، مثل حركة الأشجار بهبوب الريح، وحركة المحموم والمرتعش، فإن كل عاقل يجد تفرقة بديهية بين قيام الإنسان وقعوده وصلاته وجهاده وزناه وسرقته، وبين انتفاض المحموم، ونعلم أن الأول قادر على الفعل، مريد له مختار، وأن الثاني غير قادر عليه، ولا مريد له، ولا مختار، والجبرية جعلوا جميع أفعال العباد من قسم الاضطرار، وهو قول ظاهر الفساد؛ إذ إن كل شخص يفرق بين فعله الاضطراري، وفعله الاختياري (١).

وقول الأشاعرة مثل قول الجبرية في ذلك - كما سبق - إلا أن الأشاعرة قالوا بالكسب، وهذا المذهب في الحقيقة يرجع إلى الجبر، فهم فسروا الكسب بأنه عبارة عن اقتران المقدور بالقدرة الحادثة، من غير أن يكون لها أثر فيه، وعليه فما دام العبد ليس بفاعل ولا له قدرة مؤثرة في الفعل، فالزعم بأنه كاسب وتسمية فعله كسبا لا حقيقة له، فإنه لا يمكن


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٣٩٣ - ٣٩٤، ٤٦٣)، وشفاء العليل ص (٣١٢ - ٣١٣).