وما أشار إليه القرطبي: هو المرحلة الثانية من مراحل القدرية حيث إن عمرو بن عبيد - زعيم المعتزلة - أخذ بمقالة معبد الجهني في القدر وتبعه على ذلك خلق من أهل البصرة فتبنى المعتزلة هذا الرأي وقالوا: بنفي القدر وأن العبد لا يعمل ضمن حدود القدر، وإنما هو حر طليق، وفعله الشر منشؤه مشيئته واختياره هو وحده، وليس لله عليه مشيئة البتة، وقد ستروا هذا الرأي تحت كلمة العدل، وهو أحد أصولهم الخمسة التي بنوا عليها مذهبهم فقالوا: إن الله عادل لا يخلق الشر ولا يقضي به، إذ لو خلقه ثم يعذبهم عليه لكان ذلك جورا، والله عادل لا يجور، وزعموا أن الله شاء الإيمان من الكافر، ولكن الكافر شاء الكفر، وكذلك العاصي شاء المعصية، وخالف مشيئة الله. يقول القاضي عبد الجبار:" اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من تصرفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن الله عز وجل أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن من قال: إن الله سبحانه خالقها ومحدثها فقد عظم خطؤه "(١).
ويقول أيضا في تعريفه للعدل:" هو توقير حق الغير واستيفاء الحق منه "، ثم قال في تطبيق هذا التعريف على عدل الله: " وأما علوم العدل فهو أن يعلم أن أفعال الله تعالى كلها حسنة، وأنه لا يفعل القبيح ولا يخل