للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (١) الآية.

وجه الاستدلال:

أن الله تعالى نفى التفاوت عن خلقه، ولا يجوز أن يكون المراد به التفاوت من جهة الخلقة؛ لأن في خلقة المخلوقات من التفاوت ما لا يخفى، فليس إلا أن المراد به التفاوت من جهة الحكمة على ما قلناه، وإذا ثبت هذا لم يصح في أفعال العباد أن تكون من جهة الله تعالى لاشتمالها على التفاوت وغيره (٢).

نقول: إن استدلالهم بهذه الآية استدلال باطل لأن الآية وردت في خلق السماوات، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} (٣)، وإن كان الأولى تعميم الآية لتقرر تناسب خلقه سبحانه وتعالى، وإتقانه، وتناهي حسنه، فيشمل خلق السماوات وغيرها (٤). وعلى هذا فقد تولى ابن حزم، رحمه الله تعالى، مناقشة المعتزلة، فقال: " وأما قوله تعالى: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (٥)، فلا حجة لهم في هذا أيضا؛ لأن التفاوت المعهود، هو ما نافر النفوس، أو خرج عن المعهود، فنحن نسمي الصورة المضطربة بأن فيها تفاوتا، فليس هذا التفاوت الذي نفاه الله


(١) سورة الملك الآية ٣
(٢) انظر: شرح الأصول الخمسة ص (٣٥٥).
(٣) سورة الملك الآية ٣
(٤) انظر محاسن التأويل (١٦/ ٥٨٧٨)، وتفسير ابن كثير (٤/ ٣٩٦).
(٥) سورة الملك الآية ٣