للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى عن خلقه، فإذا ليس هو هذا الذي يسميه الناس تفاوتا، فلم يبق إلا أن التفاوت الذي نفاه الله تعالى عما خلق، هو شيء غير موجود فيه البتة؛ لأنه لو وجد في خلق الله تعالى تفاوت، لكذب قول الله عز وجل: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} (١)، ولا يكذب الله تعالى إلا كافر، فبطل ظن المعتزلة، أن الكفر، والظلم، والكذب، والجور، تفاوت؛ لأن كل ذلك موجود في خلق الله عز وجل، مرئي فيه، مشاهد بالعيان فيه، فبطل احتجاجهم، والحمد لله رب العالمين.

فإن قال قائل: فما هذا التفاوت الذي أخبر الله عز وجل أنه لا يرى في خلقه؟ قيل: ... إن العالم كله ما دون الله تعالى هو مخلوق لله تعالى أجسامه وأعراضه كلها، لا نحاشي منها شيئا، ثم إذا نظر الناظر في تقسيم أنواع أعراضه، وأنواع أجسامه، جرت القسمة جريا مستويا في تفصيل أجناسه، وأنواعه، بحدودها المميزة لها، وفصولها المفرقة بينها، على رتبة واحدة، وهيئة واحدة، إلى أن يبلغ إلى الأشخاص التي تلي هذه الأنواع، لا تفاوت في شيء من ذلك البتة، بوجه من الوجوه، ولا تخالف في شيء منه أصلا ... وكذلك أيضا نعلم أن الكفر والإيمان بالقلب واقعان تحت نوع من الاعتقاد، ثم تحت نوع فعل النفس، ثم تحت الكيفية والعرض، وقوعا مستويا، لا تفاضل فيه، ولا تفاوت من هذا الوجه من التقسيم ... " (٢).

ومن ثم فلا حجة للمعتزلة في هذه الآية. أما الاختلاف والتفاوت بين البشر


(١) سورة الملك الآية ٣
(٢) الفصل في الملل والنحل (٣/ ٦٧ - ٦٩).