للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه الاستدلال بالآية:

يقول القاضي عبد الجبار - بعد أن أورد هذه الآية للاستدلال على أن العباد يخلقون أفعالهم: " ... إن الله - سبحانه وتعالى - بين أن أفعاله كلها متقنة، والإتقان يتضمن الإحكام والحسن جميعا، حتى لو كان محكما ولا يكون حسنا لكان لا يوصف بالإتقان، ألا ترى أن أحدنا لو تكلم بكلام فصيح يشتمل على الفحش والخنا، فإنه وإن وصف بالإحكام لا يوصف بالإتقان؛ ثم قال: إذا ثبت هذا ومعلوم أن في أفعال العباد ما يشتمل على التهود والتنصر والتمجس وليس شيء من ذلك متقنا؛ فلا يجوز أن يكون الله تعالى خالقا لها " (١).

نقول: أما قوله تعالى: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} (٢)، فمعناها: أن الجبال صنع الله تعالى، وهو سبحانه أتقن كل شيء، أي: أتقن كل ما خلق، وأحكمه، وأودع فيه من الحكمة ما أودع، {إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} (٣): تعليل لما قبلها من كونه صنع ما صنع، وأتقن كل شيء، ومعناها أنه عليم بما يفعل عباده من خير وشر، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء. أما ما يقع من الكفر، والمعاصي، والقبائح، فقد قدرها سبحانه أزلا، ولو شاء ألا توجد لما وجدت، والعباد هم الذين يفعلونها، وتنسب إليهم، وهي من مخلوقاته تعالى، لكنه لم يجبرهم عليها، والكفر والتنصر والتمجس، وإن كان غير متقن في ذاته، بل هو من أعظم الباطل إلا أن


(١) شرح الأصول الخمسة ص (٣٥٨).
(٢) سورة النمل الآية ٨٨
(٣) سورة النمل الآية ٨٨