حياته البرزخية في بطن الأرض، وكل هذه الحيوات تغاير الحياة الآخرة، وإليك عرضا موجزا جدا لهذه الأطوار من الحياة.
حياته وهو جنين: تحتاج لحيز لا يتعدى شبرا تقريبا، ولا تمتد أكثر من مدة الحمل (تسعة أشهر أو أربع سنوات هلالية) ويكفيه فيها من الغذاء غذاء ملوث ممزوج بالفضلات والدماء، ويستنشق من الهواء حبيسا لا يرى شمسا ولا قمرا. . ثم من يدري؟ لعله في حياته الضيقة هذه ينعم ببحبوحة رحيبة، لو كان مختارا لآثر البقاء فيها على الدنيا الفسيحة، ولعل في صراخه حينما يغادرها إلى دنيا الناس إشارة إلى أسفه على تلك الحياة التي نراها نحن حياة حبس وضيق.
فإن هو ترك هذا الطور من الحياة استقبل طورا ثانيا هو:
حياته على ظهر الأرض: وهي ذات خصائص ومميزات غير السابقة: فبدل المكان المحدود بنحو شبر سيجد أمامه آلاف الأميال في طول الدنيا وعرضها، وبدل الزمان المقدر ببضع سنوات على الأكثر قد يمتد عمره إلى عشرات السنين، وربما جاوز قرنا من الزمان، وبدل الغذاء المستقذر، والهواء الحبيس يطعم الماء العذب النمير، والغذاء الشهي النقي السخي، ويشم الهواء الصافي المستطاب، ويستمتع بالفراش الوثير، وبدفء الشمس، وضوء القمر، وغير ذلك من أنواع المتع التي تجعله يتشبث بهذه الحياة، حتى إنه لو كان مختارا لما رضي أن يفارقها. فإذا ما قدر له فراقها (ولا بد من ذلك) فإلى صورة ثالثة أو لون ثالث من ألوان الحياة، وذلك هو:
الحياة البرزخية: في بطن الأرض، وتلك حياة لا نعرف من خصائصها إلا نوعين:
نوع محسوس ندركه بأعيننا، وأمر مغيب يحدثنا عنه وحي الله بالقرآن أو السنة: أما المحسوس الذي نراه فمكان لا يتعدى مترين في نصف متر تقريبا وزمان قد يطول أو يقصر ينتهي عند قيام الساعة، ومتى تكون؟ علمها عند ربي، لا يجليها لوقتها إلا هو (ولا تأتيكم إلا بغتة) ثم لا غذاء، ولا هواء ولا أنيس، ولا