للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولي هنا وقفتان: وقفة أسألكم فيها، ووقفة أحدثكم بها:

فأما السؤال: فعن إنسان ارتكب ما يوجب القصاص، ثم فر من العدالة لمدة طويلة، تحول في تلك المدة جسمه من غليظ جدا إلى هزيل جدا، أو بالعكس، ثم وقع في قبضة العدالة، فماذا ترون؟ أنعفيه من العقوبة أو نغلظها عليه أو نخففها عنه بحجة أن جسمه قد تغير عما كان عليه وقت أن ارتكب الجريمة، وأن أجزاء جسمه الحالية غير التي كانت عند مزاولته للجناية؟؟

أظنكم تتفقون معي في أن العدالة تقتضي أن يأخذ جزاءه مهما تغير جسمه، لأن ذاته لم تتغير، ولأن الزيادة والنقص أمور عارضة لم تغير من ذات الشخص.

هذه هو السؤال وجوابه.

أما الحديث الذي أسوقه لكم فمضمونه أن للحياة الآخرة قوانين ونواميس وخصائص، تتناسب معها، ومع صلاحيتها للبقاء الأبدي، وأن السنن التي تسير عليها حياتنا في هذه الدنيا لا تتحكم في حياتنا الآخرة والأبدية، لأنها نشأة أخرى، لا نعرف من تفاصيلها ولا من سننها ونواميسها وما تكون عليه، إلا ما علمناه ربنا بوحيه: كتاب كريم، أو سنة صحيحة، قال تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} (١) {عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} (٢) أي وما نحن بعاجزين أن نغير أحوالكم، ونخلقكم خلقا جديدا في حال وبنواميس وسنن ليست معروفة لكم الآن.

وإنا لنشاهد في حياتنا هذه ألوانا وصورا من الحياة يختلف بعضها عن بعض في خصائصها ومميزاتها، فحياة النبات ليست كحياة الحيوان، حياة الحيوانات كما ذكرنا سابقا متفاوتة في الرقي والانحطاط، بل إن الإنسان نفسه تختلف حياته في منامه عن حياته في يقظته، وإنه ليمر في رحلته بأطوار من الحياة لكل طور منها خصائص ومميزات تغاير خصائص الأطوار الأخرى ومميزاتها.

فحياته وهو جنين في بطن أمه، غير حياته وهو على ظهر الأرض، وهذه تغاير


(١) سورة الواقعة الآية ٦٠
(٢) سورة الواقعة الآية ٦١