للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومطالبته فلا يكون منظرا إلا بنظرة الطالب بدلالة الأخبار التي أوردناها.

وأما حديث أبي سعيد الخدري «خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك (١)» فلا يدل على نفي ملازمة المعسر؛ لأنه معلوم أنه لم يرد سقوط ديونهم؛ لأنه لا خلاف أنه متى وجد كان الغرماء أحق بما فضل عن قوته، وإذا لم ينف ذلك بقاء حقوقهم في ذمته فكذلك لا يمنع بقاء لزومهم له ليستوفوا ديونهم مما يكسبه فاضلا عن قوته وهذا هو معنى اللزوم .. " (٢).

والراجح - والله أعلم - هو قول جماهير أهل العلم في عدم جواز ملازمة المدين المعسر، وما أجاب به أبو بكر الجصاص على أدلة الجمهور، خروج عن ظاهر النص كما قال القرطبي في تفسيره، وذلك لأن معنى الإنظار: الإمهال والتأجيل بلا مطالبة، وإذا انتفت المطالبة، فلا معنى للملازمة إذن لأن الملازمة مطالبة وزيادة.

وكذا رده، رحمه الله - على حديث أبي سعيد ليس بجيد؛ لأن قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وليس لكم إلا ذلك) عام، فيشمل حتى الملازمة، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما قال الأصوليون (٣). بل إن ابن حجر الهيثمي - رحمه الله - عد ملازمة الدائن لمدينه المعسر، أو التسبب في حبسه بالدين مع علمه بإعساره من الكبائر وقال: ما ذكرته من أن فعل الدائن بمدينه ما ذكر - يعني من


(١) صحيح مسلم المساقاة (١٥٥٦)، سنن الترمذي الزكاة (٦٥٥)، سنن النسائي البيوع (٤٦٧٨)، سنن أبي داود البيوع (٣٤٦٩)، سنن ابن ماجه الأحكام (٢٣٥٦)، مسند أحمد (٣/ ٣٦).
(٢) أحكام القرآن للجصاص (١/ ٤٧٨ - ٤٧٩).
(٣) انظر: المستصفى (٢/ ٦٨) شرح الكوكب المنير (٣/ ١٧١).