للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ولا أذى - في سبيل أن تحول بين البشرية وبين الضلال والشقاء؛ بأمرهم بالإيمان بالله ونهيهم عن الشرك به سبحانه.

الوسطية ليست وسطا بين رذيلتين مطلقا:

المقصود من ذلك بيان أن المنهج الوسط ليس منهجا توفيقيا أو تلفيقيا بين طرفين متضادين، نضطر للتقريب بينهما حتى نصل لرتبة وسط!

فإنه وإن كان في الغالب أنه يوجد في كل قضية طرفان مذمومان بينهما وسط ممدوح، إلا أن ذلك ليس بحتم لازم، فالصدق مثلا يقابله الكذب، ومثله العدل يقابله الظلم، وليس أي منهما وسطا بين رذيلتين!

والوسط بحسب اجتهاد البشر ليس بالضرورة أن يكون حقا أو خيرا، بل قد يرى الناظر - في بادي الرأي - قولا أو موقفا وسطا بين باطلين، ومع ذلك لا يكون خيرا؛ بل قد يكون باطلا مثلهما، ومثاله: أن المعتزلة قد توسطوا - بحسب اجتهادهم - بين طرفين؛ في باب الأسماء؛ بين الخوارج القائلين بتكفير مرتكب الكبيرة، وبين المرجئة القائلين بأن أهل الكبائر كاملو الإيمان، فذهبت المعتزلة إلى مرتبة بين المرتبتين فقالت: إن مرتكب الكبيرة فاسق خرج من الإيمان ولم يدخل الكفر، فوسطية هذا المذهب هنا ليست هي الحق في هذا الباب؛ لأنها تخالف القول الوسط نفسه الذي بمعنى (الخيرية والعدل) الذي دلت عليه النصوص، والتي لا تدل دائما إلا على الوسط قولا واعتقادا وتوجها.