للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرد عليه ابن الصلاح وقال: (وهذا تساهل، لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف، وصرح أبو داود فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره) (١).

وكلام ابن الصلاح هذا صحيح، وإن كان المحققون من العلماء - كما رأيت - لا يوافقونه على رأيه الذي ورد آنفا من أن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود حسنة. ومن هؤلاء المحققين الذهبي والحافظ العراقي وغيرهما.

والسبب في موقف ابن الصلاح أنه كان يرى أن ليس للمتأخر أن يجرؤ على الحكم بصحة حديث ليس في أحد الصحيحين أو لم ينص على صحته أحد من أئمة الحديث السابقين.

قال الأستاذ أحمد شاكر:

(إن ابن الصلاح يحكم بحسن الأحاديث التي سكت عنها أبو داود ولعله سكت عن أحاديث في السنن، وضعفها في شيء من أقواله الأخرى كإجاباته للآجري في الجرح والتعديل، والتصحيح والتعليل، فلا يصح إذن أن يكون ما سكت عنه في " السنن " وضعفه في موضع آخر من كلامه حسنا، بل يكون عنده ضعيفا.

وإنما لجأ ابن الصلاح إلى هذا اتباعا لقاعدته التي سار عليها من أنه لا يجوز للمتأخرين التجاسر على الحكم بصحة حديث لم يوجد في أحد الصحيحين أو لم ينص أحد من أئمة الحديث على صحته) (٢).

وقال في موضع آخر:

(وقد رد العراقي وغيره قول ابن الصلاح هذا، وأجازوا لمن تمكن وقويت معرفته أن يحكم بالصحة أو بالضعف على الحديث بعد الفحص عن إسناده وعلله، وهو الصواب. والذي أراه أن ابن الصلاح ذهب إلى ما ذهب إليه بناء على القول بمنع الاجتهاد بعد الأئمة، فكما حظروا الاجتهاد في الفقه أراد ابن الصلاح أن يمنع الاجتهاد في الحديث، وهيهات فالقول بمنع الاجتهاد قول باطل لا برهان عليه من كتاب ولا سنة ولا تجد له شبه دليل) (٣)


(١) " علوم الحديث " ٣٦ - ٣٧.
(٢) " الباعث الحثيث " ص ٤٢.
(٣) " الباعث الحثيث " ص ٢٩.