للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبب الخلاف والراجح:

يقول ابن رشد: «وسبب اختلافهم هل هي يمين أو نذر، فمن قال إنها يمين أوجب فيها الكفارة لدخولها تحت عموم قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} (١)، ومن قال إنها من جنس النذر أي من جنس الأشياء التي نص الشرع على أنه إذا التزمها الإنسان لزمته قال لا كفارة فيها، لكن يعسر هذا على المالكية لتسميتهم إياها يمينا، لكن لعلهم إنما سموها أيمانا على طريق التجوز والتوسع، والحق أنه ليس يجب أن تسمى بحسب الدلالة اللغوية أيمانا، فإن الأيمان في لغة العرب لها صيغ مخصوصة وإنما يقع اليمين بالأشياء التي تعظم وليست صيغة الشرط هي صيغة اليمين، فأما هل تسمى أيمانا بالعرف الشرعي؟ وهل حكمها حكم الأيمان؟ ففيه نظر، وذلك أنه قد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: «كفارة النذر كفارة يمين (٢)»، وقال تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (٣).


(١) سورة المائدة الآية ٨٩
(٢) رواه مسلم في صحيحه «مسلم بشرح النووي» ١١/ ١٠٤، كتاب النذور. قال النووي: «اختلف أصحابنا في المراد به – أي بالنذر في هذا الحديث – فحمله جمهور أصحابنا على نذر اللجاج والغضب، وهو أن يقول الإنسان يريد الامتناع من كلام زيد مثلا، إن كلمت زيدا مثلا فلله علي حجة أو غيرها فيكلمه، فهو بالخيار بين كفارة يمين وبين ما التزمه، هذا هو الصحيح من مذهبنا، وحمله مالك وكثيرون أو الأكثرون على النذر المطلق كقوله: علي نذر، وحمله أحمد وبعض أصحابنا على نذر المعصية، كمن نذر أن يشرب الخمر، وحمله جماعة من فقهاء أصحاب الحديث على جميع أنواع النذور، وقالوا هو مخير في جميع النذورات بين الوفاء بما التزم وبين كفارة يمين، والله أعلم». شرح النووي ١١/ ١٠٤.
(٣) سورة التحريم الآية ١