للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال البيضاوي: إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض، هاربين من الله، فارين من قضائه فانفذوا، فاخرجوا {لاَ تَنْفُذُونَ} (١) لا تقدرون على النفوذ {إلاَّ بِسُلْطَانٍ} (٢) إلا بقوة وقهر وأنى لكم ذلك. أو إن قدرتم أن تنفذوا لتعلموا ما في السماوات والأرض فانفذوا لتعلموا، لكن لا تنفذون ولا تعلمون إلا ببينة نصبها الله تعالى فتعرجون بأفكاركم عليها {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (٣) أي من التنبيه والتحذير والمساهلة والعفو مع كمال القدرة، أو مما نصب من المصاعد العقلية والمعارج النقلية، فتنفذون بها إلى ما فوق السماوات العلى {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ} (٤) لهب من نار ونحاس ودخان قال:

تضيء كضوء سراج السليط ... لم يجعل الله فيه نحاسا

أو صفر مذاب يصب على رؤوسهم {فَلاَ تَنْتَصِرَانِ} (٥) فلا تمتنعان {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (٦) فإن التهديد لطف والتمييز بين المطيع والعاصي بالجزاء والانتقام من الكفار في عداد الآلاء. انتهى.

قوله " تضيء كضوء سراج السليط ": هو الزيت والنحاس. ولم يجئ في هذه الآيات تفسير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف المفسرون فيها، فلا حرج علينا أن نفسرها بما يوافق لغة العرب ووقائع علم البيئة، ففيها تحد للجن والإنس أنهم مكبلون بقدرة الله في هذه الأرض، لا يستطيعون أن يخرجوا من فضاء الله، وما لهم مهرب ولا محيص فإن الله ربط حياتهم وسلامتهم بهذا الغلاف الجوي لا يستطيعون اختراقه والخروج عنه إلا بقوة من الله ليمنحهم إياها متى شاء على القدر الذي يريده، أما الأرض فقد سخرها لهم وجعلها واسعة مذللة، وأذن لهم أن يمشوا في مناكبها، ويأكلوا من رزقه في جميع أرجائها، برها وبحرها، لا حرج عليهم، أما الخروج عنها فلا يمكنهم إلا بالقدر الذي يريده الله بما يشاء وبالسلطان الذي يمنحهم مع بقائهم مرتبطين بالأرض منها يتزودون، غذاء وهواء، وأخبارا، وإليها يرجعون اضطرارا.

فكل سفينة تسعى لاختراق هذا الجو المحيط بالأرض الذي هو جو الحياة المحفوظ من


(١) سورة الرحمن الآية ٣٣
(٢) سورة الرحمن الآية ٣٣
(٣) سورة الرحمن الآية ٣٤
(٤) سورة الرحمن الآية ٣٥
(٥) سورة الرحمن الآية ٣٥
(٦) سورة الرحمن الآية ٣٦