للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبما تقدم ينجلي ما عليه سلف الأمة في زيادة الإيمان ونقصانه حسبما قرره علماء الدعوة، ولا يتعارض هذا مع ما جاء عن بعض العلماء من إنكار التفاضل في التصديق (١).

فإن هذه الدعوى غير مسلمة؛ إذ التحقيق أن (التصديق القائم بالقلوب يتفاضل، وهذا هو الصحيح من مذاهب جماهير السلف، وهو أصح الروايتين عن أحمد؛ فإن إيمان الصديقين الذين تتجلى أنوار المعرفة لقلوبهم، حتى يصير كأنه شهادة بحيث لا يقبل التشكيك ولا الارتياب، ليس كإيمان غيرهم ممن لم يبلغ هذه الدرجة، بحيث لو شكك لدخله الشك، ولهذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبة الإحسان أن يعبد ربه كأنه يراه، وهذا لا يحصل لعموم المؤمنين، ومن هنا قال بعضهم: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في صدره، وسئل ابن عمر رضي الله عنهما: هل كان الصحابة رضي الله عنهم يضحكون؟ قال: نعم، والإيمان في قلوبهم مثل الجبال.

فأين هذا ممن الإيمان في قلبه يزن ذرة، أو شعيرة، كالذين يخرجون من أهل التوحيد من النار) (٢).

وعلى هذا فإن ما جاء عن الإمام أحمد في منع التفاضل في المعرفة


(١) انظر: التوضيح ١٢٣.
(٢) التوضيح ١٢٦، وراجع: جامع العلوم والحكم ١/ ١١٣ - ١١٤.