للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل بلد، فإن تركوه وأهملوه أثموا جميعا، وقد نص العلماء على ذلك، وحرروه أتم التحرير، غير أن هذا المقال قد طال - لذلك أردت أن ألم به إلماما.

قال ابن الجزري في المجلد الأول من كتابه (النشر في القراءات العشر) ص٢١٠ ما نصه: التجويد مصدر من جود تجويدا، والاسم منه الجودة ضد الرداءة يقال: جود فلان في كذا إذا فعل ذلك جيدا، فهو عندهم عبارة عن الإتيان بالقراءة مجودة الألفاظ، بريئة من الرداءة في النطق، ومعناه انتهاء الغاية في التصحيح وبلوغ النهاية في التحسين.

ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده، فهم كذلك متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة، المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية، التي لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها.

والناس في ذلك بين محسن مأجور، ومسيء آثم أو معذور، فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح، وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح، استغناء بنفسه، واستبدادا برأيه وحدسه، واتكالا على ما ألف من حفظه، واستكبارا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه فإنه مقصر بلا شك، وآثم بلا ريب، وغاش بلا مرية، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم (١)».

أما من كان لا يطاوعه لسانه، أو لا يجد من يهديه إلى الصواب، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولهذا أجمع من نعلمه من العلماء على أنه لا تصح صلاة قارئ خلف أمي، وهو من لا يحسن القراءة، واختلفوا في صلاة من يبدل حرفا بغيره، سواء تجانسا أم تقاربا وأصح القولين عدم الصحة. ثم نقل عن الشيخ أبي عبد الله نصر بن علي بن محمد الشيرازي في كتابه الموضوع في وجوب القراءات في التجويد منه ما نصه: " فإن حسن الأداء فرض في القراءة، ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حق تلاوته، صيانة للقرآن عن أن يجد اللحن والتغيير إليه سبيلا ".

ثم مضى إلى أن قال: " فالتجويد هو حلية التلاوة، وزينة القرآن وهو إعطاء


(١) صحيح مسلم الإيمان (٥٥)، سنن النسائي البيعة (٤١٩٧)، سنن أبو داود الأدب (٤٩٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٤/ ١٠٢).