للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبهذا يتبين أن حصر الاستخفاء بالعبادة غير دقيق بل الاستخفاء يضم الأمرين معا لكنه استخفاء غير مطلق كما سيتضح.

بينما تضمن الاتجاه الثالث أن الدعوة أمرها اشتهر من أول يوم البعثة وأن صيتها قد ذاع في مكة فهذا غير دقيق ولو كان كما قيل لما كان في استخفائه بالدعوة واستسراره بها عن الناس ثلاث سنين أي فائدة والنصوص التي تشير إلى مرحلة الاستخفاء والمتضمنة حرصه على كتمان الدعوة التي سبق بيانها ترد هذا الاتجاه لمن تأمل.

وبما أن الاتجاهات المشار إليها تحتاج إلى مزيد ضبط وتصويب يمكن أن نقول: إن استخفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة الذي استمر ثلاث سنين يتبلور في أن الدعوة بادئ أمرها كان الاستتار أبلغ ما يكون ومع استجابة المدعوين الأقرب فالأقرب أخذت الدعوة تنفتح للمجتمع على نحو متدرج، مع السماح لخبرها أن يتسرب في مكة وأوديتها وشعابها، بل حتى إلى خارج مكة إذا ما رئيت المصلحة. واتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - دارا غير معلنة لإقامة العبادة والدعوة إلى الله معا بعد أن حصلت مجابهات للمستجيبين من قبل الخصوم والأمر على ما ذكر. وبهذا المفهوم للاستخفاء الذي يتماشي مع النصوص والأحداث دخل الناس في دين الله حتى تمكنت الدعوة وانتشر أمرها.