للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدعوة وسرية ممارسة العبادة، هكذا بإطلاق؛ غير صحيح، حيث إن السرية لم تكن سرية مطلقة في كافة جوانبها، بل المتأمل للدعوة يتضح له أنها كانت تلوح وتخفى، وهي بعبارة أخرى سرية ذات انفتاح ومرونة، ولهذا سمح النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبر الدعوة أن يتسرب ويشتهر في مكة عن قصد في تلك المرحلة حتى نمى أمره عليه السلام إلى من كان خارج مكة كعمرو بن عبسة وأبي ذر الغفاري، بل طلب ممن استجاب للدعوة أن يبلغ من وراءه وكان هذا في أوائل الدعوة .. ولهذا فإن هذه الرؤية لاستخفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعوة تحتاج إلى مزيد من الإيضاح في ضوء ما ذكر.

وأما الاتجاه الثاني الذي يقرر أن الاستسرار كان خاصا بإقامة العبادة، وأن الدعوة لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يستخفي في أمرها وأنها كانت معلنة، فهذا فيه نظر باعتبار دلالة النصوص التي تفيد العموم فعندما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر بالكتمان بقوله: «يا أبا ذر اكتم هذا الأمر (١)» فذلك يعم الأمرين معا الدعوة والعبادة، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعلي – رضي الله عنه -: «يا علي إذا لم تسلم فاكتم» واتخاذه دارا في سبيل الخفاء والتي كان من وظائفها إقامة العبادة والدعوة إلى الله يفيد هذا المعنى، فقد أخرج ابن سعد في الطبقات بإسناده عن عثمان بن الأرقم أنه قال: أنا ابن سبعة في الإسلام أسلم أبي سابع سبعة وكانت داره بمكة على الصفا وهي الدار التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون فيها أول الإسلام وفيها دعا الناس إلى الإسلام وأسلم فيها قوم كثير (٢)،


(١) البخاري المناقب (٣٣٢٨)، مسلم فضائل الصحابة (٢٤٧٤).
(٢) الطبقات: ٣/ ٢٤٣