ما ذكر هو انحراف في المنهج الدعوي وخلل في المسلك الإصلاحي باعتباره مخالفة صريحة لمنهجه العام في الدعوة ولوصيته الخاصة التي رواها عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث قال: «جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله أوصني. قال: اعبد الله ولا تشرك به شيئا، وأقم الصلاة، وآت الزكاة، وصم رمضان، وحج البيت واعتمر، واسمع وأطع، وعليك بالعلانية وإياك والسر (١)».
فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «وعليك بالعلانية وإياك والسر» بعد أمره بالسمع والطاعة لولاة الأمر دليل على أن الاستخفاء بالدعوة في المجتمع المسلم، لا سيما إذا كانت منطوية على ما يخالف ولي الأمر أو متضمنة التأليب عليه؛ منهي عنه وإذا كان من يذهب إلى أن الاجتماعات السرية في هذا الزمن إلى أنه عمل صحيح، احتجاجا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بدأ بالدعوة في مكة سرا، وهذا الاحتجاج مبني على أن المجتمع الذي نعيش فيه مجتمع جاهلي، أي كافر، وهذا تعسف ومذهب فاسد، جميع علماء المسلمين على إنكاره، إذ لا يسلم العقلاء فضلا عن العلماء أن مجتمعنا مجتمع جاهلي كالجاهلية الأولى، بل نحن بحمد الله في بلاد الإسلام؛ الأذان معلن، والصلاة مقامة، والشعائر ظاهرة، والدعوة متاحة، فأين نحن من الجاهليين الأوائل
(١) أخرجه ابن أبي عاصم عن ابن عمر في كتاب السنة رقم الحدي: ١٠٧٠، وحسن إسناده الألباني في ظلال الجنة في تخريج أحاديث السنة، ط (الثالثة، عام: ١٤١٣هـ، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت) ٢٤/ ٢٥٥.