للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والآخر: مما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين عن الله معنى ما أراد. وهذان الوجهان اللذان لم يختلفوا فيهما.

والوجه الثالث: ما سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ليس فيه نص كتاب.

فمنهم من قال: جعل الله له بما افترض من طاعته، وسبق في علمه، من توفيقه لرضاه أن يسن فيما ليس فيه نص كتاب.

ومنهم من قال: لم يسن سنة قط إلا ولها أصل في الكتاب.

والمراد بالخلاف في القسم الثالث ليس الخلاف في وجوده بل في مخرجه أهو على الاستقلال بالتشريع؟ أم بدخوله ضمن نصوص القرآن ولو بتأويل (١).

فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن السنة تستقل بتشريع الأحكام، وأنها كالقرآن الكريم في تحليل الحلال وتحريم الحرام، واستدلوا أولا بمثل قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (٢) {إِنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (٣).

وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (٤) وقوله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (٥) النساء من الآية ٦٥ - والآية نزلت في قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير بالسقي قبل الأنصاري من شراج الحرة، (٦) وذلك ليس في كتاب الله، ثم جاء في عدم الرضا به من الوعيد والأمر بطاعة الله وطاعة الرسول " وسائر ما قرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن، إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله " وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (٧) النور ٦٣، فقد اختص الرسول عليه الصلاة والسلام بشيء يطاع فيه، وذلك السنة التي لم تأت في القرآن (٨).


(١) السنة ومكانتها ص ٣٨٠ - ٣٨١.
(٢) سورة النجم الآية ٣
(٣) سورة النجم الآية ٤
(٤) سورة الحشر الآية ٧
(٥) سورة النساء الآية ٦٥
(٦) الحديث أخرجه الستة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والموطأ.
(٧) سورة النور الآية ٦٣
(٨) راجع: الموافقات ٤/ ١٤ - ١٥.