للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثاني: الأحاديث الدالة على ذم ترك السنة واتباع الكتاب، إذ لو كان ما في السنة موجودا في الكتاب لما كانت السنة متروكة على حال، وذلك مثل حديث «ألا إني أوتيت القرآن، ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئا على أريكته يحدث بحديث عني فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه: ألا وإن ما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل الذي حرم الله (١)».

والثالث: أن الاستقراء دل على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة لم ينص عليها في القرآن، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، والعقل وفكاك الأسير. . . وغيرها كثير (٢).

رابعا: أنه لا مانع عقلا من ذلك ما دام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معصوما من الخطأ، ولله أن يأمر رسوله بتبليغ أحكامه إلى الناس من أي طريق، سواء كان بالكتاب أو بغيره وما دام جائزا عقلا، وقد وقع فعلا باتفاق الجميع فلماذا لا نقول به؟

خامسا: أن النصوص الواردة في القرآن الدالة على وجوب اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وطاعته فيما يأمر به وينهى عنه عامة لا تفرق بين السنة المبينة أو المؤكدة أو المستقلة (٣).

وذهب الإمام الشاطبي - رحمه الله - إلى أن السنة راجعة في معناها إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصره.

وذلك لأنها بيان له، وهو الذي دل عليه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (٤) فلا تجد في السنة أمرا، إلا القرآن قد دل على معناه دلالة إجمالية أو تفصيلية (٥).


(١) أخرجه أبو داود والترمذي.
(٢) انظر أدلة الأحكام الشرعية في أصول الشاطبي للباحث ص١٨.
(٣) السنة ومكانتها ص ٣٨١.
(٤) سورة النحل الآية ٤٤
(٥) الموافقات ٤ - ١٢.