للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد بين - رحمه الله - كيفية رجوع السنة إلى الكتاب، واستقصى مذاهب العلماء في ذلك في ستة طرق (١).

كما أجاب عن ما أورده أصحاب الرأي الأول: بأن الاستقراء دل على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة لم ينص عليها في القرآن الكريم كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها وتحريم الحمر الأهلية. . . فقال: إن أصول هذه القضايا منصوص عليها في القرآن الكريم، لكن تفصيلها يحتاج إلى بيان جاءت به السنة، وذلك أنه يقع في الكتاب النص على طرفين واضحين، وتبقي بينهما أمور تحتاج إلى إلحاقها بأحد الطرفين لأن فيها شبها من كل منهما، فتأتي السنة بهذا الإلحاق، مع وجود أصل القضية في القرآن الكريم.

وأيضا فإن السنة قد تلحق فرعا بأصله الذي خفي إلحاقه به.

ومن ذلك أن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث وبقي بين هذين الأصلين أشياء يمكن إلحاقها بأحدهما، فبين عليه الصلاة والسلام في ذلك ما اتضح به الأمر فنهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، ونهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية، وقال إنها ركس كما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكل الجلالة وألبانها، لما في لحمها ولبنها من أثر الجلة، فهذا كله راجع إلى معنى الإلحاق بأصل الخبائث - الواردة في القرآن - كما ألحق عليه الصلاة والسلام الضب والحبارى والأرنب وأشباهها بأصل الطيبات - الوارد أيضا في القرآن الكريم (٢).

ومن ذلك أيضا أن الله تعالى أحل من المشروبات ما ليس بمسكر كالماء واللبن والعسل، وحرم الخمر لما فيها من إزالة العقل، فوقع فيما بين الأصلين ما ليس بمسكر حقيقة ولكنه يوشك أن يسكر وهو نبيذ الدباء والمزفت والنقير وغيرها، فنهى عنها إلحاقا لها بالمسكرات تحقيقا، سدا للذريعة (٣).


(١) انظر الموافقات ٤/ ٢٤: ٥٥، وانظر أدلة الأحكام الشرعية في أصول الشاطبي للباحث ص ٦٨: ٧٥.
(٢) راجع: الموافقات ٤٠/ ٣٣.
(٣) الموافقات ص ٣٣ - ٣٤.