جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث، واستحبوا أن يؤخذ عنهم حفظا، لكن لما قصرت الهمم، وخشي الأئمة ضياع العلم دونه، وأول من دون الحديث: ابن شهاب الزهري، على رأس المائة، بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم كثر التصنيف، وحصل بذلك خير كثير، فلله الحمد " (١).
وقد اختلفت مناهج جمع السنة وتدوينها:
فمن الجامعين - في أول عهد الجمع - من كان يخلط بالأحاديث النبوية أقوال الصحابة وفتاوي التابعين.
ومنهم من ألف المسانيد التي تجمع أحاديث كل صحابي على حدة بصرف النظر عن الموضوع، والمثل في هذه الطريقة: مسند الإمام أحمد.
ومنهم من أقاموا جمعهم على أساس الأبواب الفقهية، فيبدأ مثلا بذكر الأحاديث النبوية في موضوع الصلاة، ثم في موضوع الصوم، ثم في الحج، وهكذا.
ومن هؤلاء وأولئك من لم يختر مادة لجمعه سوى الأحاديث الصحاح، مثلما فعل الشيخان: البخاري ومسلم، ومنهم من أورد الأحاديث بمختلف مراتبها مكتفيا بذكر أسانيدها للقراء يرون فيها رأيهم.
والمهم أن الإخلاص في نقل السنة والتشدد في روايتها ودراستها متونا وأسانيد، والتزام شروطها وقواعدها كان ديدن هؤلاء الجامعين الدارسين، وكم منهم من ركب الظلام، وخاض القفار، وصبر على اللأواء، وحرارة القيظ وصبارة القر، من أجل التماس حديث، أو فحص حال محدث، أو تصحيح خبر، أو تمحيص مروية.
وقد دعاهم إلى هذه الرحلات الشاقة ما هو معلوم من أن الصحابة والتابعين، لما فتح الله عليهم الأمصار شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، ارتحلوا إليها وسكنوها، وقد كانوا - بالضرورة - يحملون أحاديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مما يمكن أن لا يكون من محفوظات غيرهم، فقصد إليهم الحديثيون ليأخذوا عنهم.