للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هكذا حرص الصحابة والتابعون على السنة الحرص الذي ينبغي لها بوصفها أحد الشطرين الرئيسين والأصلين الأساسيين لشريعتهم ولميراثهم.

غير أنه جاء على المسلمين - في أعقاب عهد هؤلاء - حين من الدهر خافوا فيه على هذه السنة - وهي ما هي جوهر دين وارتفاع شأن - أن يضيع منها شيء إما لموت حفاظها وعلمائها - وإن الموت لواقع ماله من دافع - وإما لكيد الكفار والمنافقين الذين كانوا يظهرون الإسلام، ويبطنون خصومته ومناوأته، فكانوا يحاولون تمزيقه وتشويهه عن طريق تحريف الأحاديث وتبديلها أو اختلاقها أصلا، ونسبتها للرسول - صلى الله عليه وسلم -.

هناك عم الإحساس بشدة الحاجة إلى إجراء عام حاسم يمنع أسباب الضياع والفساد، ويتمثل هذا الإجراء في جمع السنة وتدوينها.

وقد تصدى لهذه المهمة التاريخية التي كان المسلمون يرقبونها خليفة المسلمين الراشد: عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -:

كتب عمر إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الفقيه التابعي الذي كان أميرا على المدينة والذي ولي قضاءها: أن انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو سننه، أو حديث عمرة، أو نحو هذا فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء (١) فكتبه له (٢).

وكتب عمر نفسه إلى أبي بكر بن حزم نفسه أيضا أن افحص لي عن أسماء خدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرجال والنساء ومواليه، فكتب إليه (٣).

ويلخص ابن حجر العسقلاني ذلك الموقف فيقول: " قال العلماء: كره


(١) ابن سعد: الطبقات الكبرى ج٨ ص٣٥٣.
(٢) الرازي: الجرح والتعديل.
(٣) ابن سعد: الطبقات الكبرى ج٨ ص٣٥٣.