للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (١) ثم قال {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (٢) فعبر بالعبادة عن الدعاء، وبعد أن عرفت حقيقة الدعاء وحقيقة العبادة وتلازمهما فإن الأدلة واضحة على أن الدعاء حق الله لا يصرف منه شيء لغير الله قال تعالى {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (٣) وقال {وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ} (٤) وقال {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} (٥) ونحوها من الآيات.

فقول هذا الكاتب: أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، إن كان يعتقد فيمن يناديه أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع من غير إذن الله فقد أشرك.

نقول: إن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك مطلقا سواء كان المدعو ملكا أو نبيا أو وليا أو جنيا أو صالحا أو شريفا أو سيدا أو شجرا أو قبرا أو غير ذلك، فأما إن دعا إنسانا حيا حاضرا قادرا وطلب منه ما يقدر عليه كقوله: يا فلان اسقني أو أطعمني أو احملني أو احمل رحلي ونحو ذلك فهذا جائز وهو من الأفعال المحسوسة التي لا يزال الناس يفعلونها ويعين بعضهم بعضا على فعلها وكذا إن قال: يا فلان ادع الله لي بالمغفرة والجنة أو أشركني في صدقاتك أو وقفك أو دعواتك ونحوها فإن دعاء المسلم لأخيه يظهر الغيب مما يثيبه الله عليه، وهذا بخلاف ما إذا قال: اغفر ذنبي وأدخلني الجنة أو خذ بيدي عن النار ونحو ذلك فإن هذا لا يجوز فعله مع الحي فضلا عن الميت لأنه مما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يطلب إلا منه تعالى.

فنحن نستدل بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصا وقف عند قبر إنسان معظم في نفسه وخضع برأسه وتذلل وأهطع وأقنع وخشع وخفض صوته وسكنت جوارحه وأحضر قلبه ولبه أعظم مما يفعل في الصلاة بين يدي ربه عز وجل، وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلق عليه الرجاء


(١) سورة مريم الآية ٤٨
(٢) سورة مريم الآية ٤٩
(٣) سورة الجن الآية ١٨
(٤) سورة يونس الآية ١٠٦
(٥) سورة الأحقاف الآية ٥