للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى السماء، ولم يذكر الله تعالى أن أحدا من الأموات أو الغائبين يهدي من أحب أو يرزق من يشاء بإذن الله، بل قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} (١) فهل يقال بعد هذا إنه هو أو من دونه بعد موته يملك بتمليك الله النفع والضر والإعطاء والمنع وأنه بناء على ذلك يطلب منه كما يطلب من الله فيدعى ويرجى وتعلق عليه الآمال ويخشع له العبد ويتواضع ويقف أمام قبره خاضعا ذليلا وخائفا راجيا، فإن هذا كله لازم قول هذا الكاتب حيث أباح نداءه وجعله مالكا متصرفا فيما هو من خصائص الرب تعالى، وقد صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال لعشيرته الأقربين: «أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا (٢)» وقال لعمه العباس «لا أغني عنك من الله شيئا (٣)».

وهكذا قال لعمته ولابنته فاطمة الزهراء، وأمرهم بأن يعملوا عملا صالحا لوجه الله ينقذون به أنفسهم من النار ولا يعتمدون على قرابتهم منه أو شرفه عند الله، بل قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: «ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه (٤)» وكل هذا حث للمسلم أن يعمل لله عملا خالصا لوجهه يكون سببا لنجاته يوم القيامة، فلا يعتمد على نسب ولا حسب ولا يرغب إلى أي مخلوق يدعوه أو يرجوه أو يخافه أو يعظمه كتعظيم الله تعالى، أو يعقد عليه أمله أو يعتقد أنه يملك من أمر الله شيئا مع قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِِ شَيْءٌ} (٥) وقوله {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} (٦) فهل ذكر الله تعالى أنه قد ملك أحدا من خلقه شيئا من حقه؟ أو فوض إليه التصرف في عباده، بأن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ويهدي


(١) سورة الأعراف الآية ١٨٨
(٢) صحيح البخاري الوصايا (٢٧٥٣)، صحيح مسلم الإيمان (٢٠٤)، سنن الترمذي تفسير القرآن (٣١٨٥)، سنن النسائي الوصايا (٣٦٤٤)، مسند أحمد بن حنبل (٢/ ٣٦١)، سنن الدارمي الرقاق (٢٧٣٢).
(٣) رواه البخاري برقم ٢٧٥٣ عن أبي هريرة.
(٤) من حديث أبي هريرة الطويل عند مسلم.
(٥) سورة آل عمران الآية ١٢٨
(٦) سورة آل عمران الآية ١٥٤